فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي قوله: {ومِنْ دونِهما} قولان.
أحدهما: دونهما في الدَّرج، قاله ابن عباس.
والثاني: دونهما في الفضل كما روى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جنَّتان من ذهب وجنَّتان من فضة»؛ وإلى نحو هذا ذهب ابن زيد، ومقاتل.
قوله تعالى: {مُدْهامَّتانِ} قال ابن عباس وابن الزبير: خضراوان من الرِّيّ.
وقال أبو عبيدة: من خُضرتهما قد اسودَّتا.
قال الزجاج: يعني أنهما خضراوان تضرب خضرتُهما إلى السَّواد، وكل نبت أخضر فتمام خُضرته ورِيِّه أن يَضرب إلى السَّواد.
قوله تعالى: {نضّاختان} قال أبو عبيدة: فوّارتان.
وقال ابن قتيبة: تفوران، و(النَّضْخ) أكثر من (النَّضْح).
وفيما يفوران به أربعة أقوال.
أحدها: بالمسك والكافور، قاله ابن مسعود.
والثاني: بالماء، قاله ابن عباس.
والثالث: بالخير والبركة، قاله الحسن.
والرابع: بأنواع الفاكهة، قاله سعيد بن جبير.
قوله تعالى: {ونَخْلٌ ورُمّانٌ} قال ابن عباس: نَخْلُ الجَنَّة: جذوعها زمرُّد أخضر، وكَرَبُها: ذهبٌ أحمر، وسَعَفها: كُسوة أهل الجنة، منها مُقطَّعاتهم وحُللهم.
وقال سعيد بن جبير: نخل الجنة: جذوعها من ذهب، وعروقها من ذهب، وكرانيفها من زمرُّد، ورُطَبها كالدِّلاء أشد بياضًا من اللَّبَن، وألين من الزُّبد، وأحلى من العسل، ليس له عَجَم.
قال أبو عبيدة: الكرانيف: أصول السَّعَف الغلاظ، الواحدة: كرْنافَة.
وإنما أُعاد ذِكر النَّخْل والرُّمّان وقد دخلا في الفاكهة لبيان فضلهما كما ذكرنا في قوله: {وملائكتِه ورُسُله وجِبريل ومِيكالَ} [البقرة: 98]، هذا قول جمهور المفسرين واللُّغويِّين.
وحكى الفراء والزجاج أن قومًا قالوا: ليسا من الفاكهة؛ قال الفراء: وقد ذهبوا مذهبًا، ولكن العرب تجعلهما فاكهة.
قال الأزهري: ما علمتُ أحدًا من العرب قال في النخيل والكروم وثمارها: إِنها ليست من الفاكهة، وإنما قال من قال، لقِلَّة عِلْمه بكلام العرب، فالعرب تذكرُ أشياء جملة ثم تخُصُّ شيئًا منها بالتسمية تنبيهًا على فضل فيه، كقوله: {وجِبريلَ ومِيكالَ} [البقرة: 98]؛ فمن قال: ليسا من الملائكة كفر، ومن قال: ثمر النخل والرمان ليسا من الفاكهة جهل.
قوله تعالى: {فِيهِنَّ} يعني في الجِنان الأربع {خَيْراتٌ} يعني الحُور.
وقرأ معاذ القارئ، وعاصم الجحدري، وأبو نهيك: {خَيِّراتٌ} بتشديد الياء.
قال اللغويون: أصله (خَيِّراتٌ) بالتشديد، فخُفِّف، كما قيل: هَيْنٌ لَيْنٌ، وهَيِّنٌ لَيِّنٌ.
وروت أُمُّ سَلَمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خَيْراتُ الأخلاقِ حِسان الوُجوه».
قوله تعالى: {حُورٌ مقصوراتٌ} قد بيَّنّا في سورة [الدخان: 54] معنى الحُور.
وفي المقصورات قولان.
أحدهما: المحبوسات في الحِجَال، قاله ابن عباس، وهو مذهب الحسن، وأبي العالية، والقرظي، والضحاك، وأبي صالح.
والثاني: المقصورات الطَّرف على أزواجهنّ، فلا يرفعن طَرْفًا إلى غيرهم، قاله الربيع.
وعن مجاهد كالقولين.
والأول أصح، فإن العرب تقول: امرأة مَقْصُورة وقَصِيرة وقَصُورَة: إذا كانت ملازمة خدرها، قال كُثيِّر:
لَعَمْرِي لقد حبَّبْتِ كلَّ قصيرةٍ ** إليَّ وما تَدْرِي بذاكَ القَصَائِرُ

عَنَيْتُ قَصيرات الحِجَالِ ولَمْ أُرِدْ ** قِصارَ الخُطى شَرُّ النِّساءِ البَحاتِرُ

وبعضهم ينشده: قَصُورَة، وقَصُورات؛ والبحاتر: القِصار.
وفي {الخيام} قولان.
أحدهما: أنها البيوت.
والثاني: خيام تضاف إلى القصور.
وقد روى البخاري ومسلم في (الصحيحين) من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن للمؤمن في الجنة لَخيمةً من لؤلؤةٍ واحدةٍ مجوَّفةٍ، طُولها في السماء سِتُّون مِيلًا، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضًا» وقال عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس: الخيام: دُرٌّ مُجَوَّف.
وقال ابن عباس: الخيمة: لؤلؤة واحدة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.
قوله تعالى: {مُتَّكِئين على رَفْرَف} وقرأ عثمان بن عفان، وعاصم الجحدري، وابن محيصن: {على رَفَارفَ} جمع غير مصروف.
وقرأ الضحاك، وأبو العالية، وأبو عمران الجوني مثلهم، إلاّ أنهم صرفوا {رفارف} قال ثعلب: إنما لم يقل: أخضر، لأن الرَّفرف جمع، واحدته: رفرفة، كقوله: {الذي جَعَلَ لكم من الشجر الأخضر نارًا} [يس: 80] ولم يقل: الخُضْر، لأن الشجر جمع، تقول: هذا حصىً أبيض، وحصى أسود، قال الشاعر:
أَحَقًّا عِبادَ اللِه أنْ لستُ ماشيًا ** بِهِرْجَابَ ما دامَ الأَراكُ به خُضْرا

واختلف المفسرون في المراد بالرَّفرف على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها فضول المحابس والبُسُط، رواه العوفي عن ابن عباس.
وقال أبو عبيدة: هي: الفُرُش والبُسط.
وحكى الفراء، وابن قتيبة: أنها المحابس.
وقال النقاش: الرَّفرف: المحابس الخُضْر فوق الفْرُش.
والثاني: أنها رياض الجنة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير.
والثالث: أنها الوسائد، قاله الحسن.
قوله تعالى: {وعبقريٍّ حِسانٍ} فيه قولان.
أحدهما: أنها الزَّرابيّ، قاله ابن عباس، وعطاء، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، وكذلك قال ابن قتيبة: العبقريّ: الطّنافِس الثِّخان.
قال أبو عبيدة: يقال لكل شيء من البُسُط: عبقريّ.
والثاني: أنه الدِّيباج الغليظ، قاله مجاهد.
قال الزجاج: أصل العبقريّ في اللغة أنه صفة لكل ما بُولِغَ في وصفه، وأصلُه أن عبقر: بلد كان يوشى فيه البُسط وغيرها، فنُسب كل شيء جيِّد إليه، قال زهير:
بِخَيْلٍ عليها جِنَّةٌ عَبْقَرِيَّةٌ ** جَدِيرونَ يَوْمًا أن يَنالوا فيَسْتَعْلُوا

وقرأ عثمان بن عفان، وعاصم الجحدري، وابن محيصن: {وعَباقِرِيَّ} بألف مكسورة القاف مفتوحة الياء من غير تنوين؛ قال الزجاج: ولا وجه لهذه القراءة في العربية، لأن الجمع الذي بعد ألفه حرفان، نحو؛ مساجد ومفاتح، لا يجوز أن يكون فيه مثل عباقِرِي، لأن ما جاوز الثلاثة لا يُجمع بياء النَّسب، فلو جمعت {عبقريّ} كان جمعُه (عباقرة)، كما أنك لو جمعت (مُهلبيّ) كان جمعه (مَهالبة)، ولم تقل: (مَهالبيّ) قال: فإن قيل: {عبقريّ} واحد، و{حِسَان} جمع، فكيف جاز هذا؟ فالأصل أن واحد هذا (عبقريّة) والجمع (عبقري)، كما تقول: تَمْرة، وتَمْر، ولَوْزة، ولَوْز، ويكون أيضًا (عبقري) اسمًا للجنس.
وقرأ الضحاك، وأبو العالية، وأبو عمران: {وعَباقِرِيٍّ} بألف مع التنوين.
قوله تعالى: {تبارك اسمُ ربِّكَ} فيه قولان.
أحدهما: أن ذِكْر (الاسم) صِلَة، والمعنى: تبارك ربُّك.
والثاني: أنه أصل.
قال ابن الأنباري: المعنى: تفاعل من البَرَكة، أي: البَرَكة تُنال وتُكْتَسَب بذِكْر اسمه.
وقد بيَّنّا معنى {تبارك} في [الأعراف: 54]، وذكرنا في هذه السورة معنى {ذي الجلال والإكرام} [الرحمن: 27]، وكان ابن عامر يقرأ: {ذو الجلال} وكذلك هي في مصاحف أهل الشام؛ والباقون: {ذي الجلال} وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والعراق، وهم متفقون على الموضع الأول أنه {ذو}. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {الرحمن علم القرآن}.
قيل لما نزلت اسجدوا للرحمن قال كفار مكة وما الرحمن فأنكروه وقالوا لا نعرف الرحمن فأنزل الله: {الرحمن} يعني الذي أنكرتموه هو الذي علم القرآن، وقيل هذا جواب لأهل مكة حين قالوا إنما يعلمه بشر فقال تعالى الرحمن علم القرآن يعني علَّم محمدًا القرآن وقيل علَّم القرآن يسره للذكر ليحفظ ويتلى وذلك أن الله عد نعمه على عباده فقدم أعظمها نعمة وأعلاها رتبة وهو القرآن العزيز لأنه أعظم وحي الله إلى أنبيائه وأشرفه منزلة عند أوليائه وأصفيائه وأكثره ذكرًا وأحسنه في أبواب الدين أثرًا وهو سنام الكتب السماوية المنزلة على أفضل البرية {خلق الإنسان} يعني آدم قاله ابن عباس {علمه البيان} يعني أسماء كل شيء وقيل علَّمه اللغات كلها فكان آدم يتكلم بسبعمائة لغة أفضلها العربية وقيل الإنسان اسم جنس وأراد به جميع الناس، فعلى هذا يكون معنى علمه البيان أي النطق الذي يتميز به عن سائر الحيوانات، وقيل علمه الكتابة والفهم والإفهام حتى عرف ما يقول وما يقال له وقيل علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به وقيل أراد بالإنسان محمدًا-صلى الله عليه وسلم- علَّمه البيان يعني بيان ما يكون وما كان لأنه-صلى الله عليه وسلم- ينبىء عن خبر الأولين والآخرين وعن يوم الدين، وقيل علمه بيان الأحكام من الحلال والحرام والحدود والأحكام.
{الشمس والقمر بحسبان} قال ابن عباس يجريان بحساب ومنازل لا يتعديانها وقيل يعني بهما حساب الأوقات والآجال ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب ما يريد، وقيل الحساب هو الفلك تشبيهًا بحسبان الرحى وهو ما يدور الحجر بدورانه {والنجم والشجر يسجدان} قيل النجم ما ليس له ساق من النبات كالبقول والشجر ما له ساق يبقى في الشتاء وسجودها سجود ظلها وقيل النجم هو الكوكب، وسجوده طلوعه والقول الأول أظهر لأنه ذكره مع الشجر في مقابلة الشمس والقمر ولأنهما أرضيان في مقابلة سماءين {والسماء رفعها} أي فوق الأرض {ووضع الميزان} قيل أراد بالميزان العدل لأنه آلة العدل والمعنى أنه أمر بالعدل يدل عليه قوله: {ألا تطغوا في الميزان} أي لا تجاوزوا العدل وقيل أراد به الآلة التي يوزن بها للتوصل إلى الإنصاف والانتصاف وأصل الوزن التقدير أن لا تطغوا في الميزان أي لئلا تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق في الميزان {وأقيموا الوزن بالقسط} يعني بالعدل وقيل أقيموا لسان الميزان بالعدل وقيل الإقامة باليد والقسط بالقلب {ولا تخسروا} أي لا تنقصوا {الميزان} أي لا تطففوا في الكيل والوزن أمر بالتسوية ونهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة وعن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان وكرر لفظ الميزان تشديدًا للتوصية به وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه {والأرض وضعها} أي خفضها مدحوة على الماء {للأنام} يعني للخلق الذين بثهم فيها وهو كل ما ظهر عليها من دابة وقيل للإنس والجن فهي كالمهاد لهم يتصرفون فوقها {فيها} يعني في الأرض {فاكهة} يعني من أنواع الفاكهة وقيل ما يتفكهون به من النعم التي لا تحصى {والنخل ذات الأكمام} يعني الأوعية التي يكون فيها الثمر لأن ثمر النخل يكون في غلاف وهو الطلع ما لم ينشق وكل شيء ستر شيئًا فهو كم وقيل أكمامها ليفها واقتصر على ذكر النخل من بين سائر الشجر لأنه أعظمها وأكثرها بركة.
{والحب} يعني جميع الحبوب التي يقتات بها كالحنطة والشعير ونحوهما وإنما أخَّر ذكر الحب على سبيل الارتقاء إلى الأعلى لأن الحب أنفع من النخل وأعم وجودًا في الأماكن {ذو العصف} قال ابن عباس يعني التبن وعنه أنه ورق الزرع الأخضر إذ قطع رؤوسه ويبس وقيل هو ورق كل شيء يخرج منه الحب يبدو صلاحه ولا ورق وهو العصف ثم يكون سوقًا ثم يحدث الله فيه أكمامًا ثم يحدث في الأكمام الحب {والريحان} يعني الرزق قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كل ريحان في القرآن فهو رزق وقيل هو الريحان الذي يشم، وقيل: العصف التبن والريحان ثمرته فذكر قوت الناس والأنعام ثم خاطب الجن والإنس فقال تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} يعني أيها الثقلان يريد هذه الأشياء المذكورة وكرر هذه الآية في هذه الصورة في أحد وثلاثين موضعًا تقريرًا للنعمة وتأكيدًا في التذكير بها، ثم عدد على الخلق آلاءه وفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها ليفهمهم النعم ويقررهم بها كقول الرجل لمن أحسن إليه وتابع إليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها ألم تكن فقيرًا فأغنيتك أفتنكر هذا؟ الم تكن عريانًا فكسوتك أفتنكر هذا؟ ألم تكن حاملًا فعززتك أفتنكر هذا؟ ومثل هذا الكلام شائع في كلام العرب حسن تقريرًا وذلك لأن الله تعالى ذكر في هذه السورة ما يدل على وحدانيته من خلق الإنسان وتعليمه البيان وخلق الشمس والقمر والسماء والأرض إلى غير ذلك مما أنعم به على خلقه وخاطب الجن والإنس فقال فبأي آلاء ربكما تكذبان من الأشياء المذكورة لأنها كلها منعم بها عليكم.